دولىليبيا

ليبيا.. الدبيبة يفرط وحكومة حماد: لا تنازل عن الولاية القضائية للقضاء الوطني

حماد: السيادة القضائية ركيزة أساسية لدولة القانون ولا يجوز التفريط فيها

في وقتٍ يشتد فيه الجدل حول مستقبل الولاية القضائية الليبية ومكانتها في ظل الضغوط الدولية المتصاعدة، يبرز موقف الحكومة الليبية ممثلة في رئيسها الدكتور أسامة حماد بوصفه محطة فارقة في الدفاع عن سيادة البلاد القانونية، مقابل ما اعتبرته أوساط واسعة تفريطًا غير مبرَّر من الحكومة منتهية الولاية في اختصاص القضاء الوطني.

حكومة الدبيبة: التخلي عن أهلية القضاء الليبي لصالح جهات أجنبية

فبينما اختارت تلك الحكومة التخلي عن أهلية القضاء الليبي لصالح جهات أجنبية، جاء مسار حكومة حماد منطلقًا من إرادة سياسية وقانونية تستند إلى شرعية مجلس النواب وإلى قناعة راسخة بأن السيادة لا تتجزأ، وأن القضاء الوطني هو آخر خطوط الدفاع المتبقية أمام محاولات إضعاف الدولة الليبية وإفراغ مؤسساتها من مضمونها.

وقد تجلّى هذا التوجه بصورة واضحة حين تقدّم رئيس الحكومة الليبية بالطعن رقم 351 لسنة 2025 أمام الدائرة الإدارية الأولى بمحكمة استئناف بنغازي، طعنًا في قرار الحكومة منتهية الولاية القاضي بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في قضايا جنائية يُفترض أن تكون حصريًا ضمن نطاق الولاية القضائية الليبية. وكانت المحكمة قد أصدرت في الحادي والعشرين من أكتوبر حكمًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، قبل أن تضفي عليه في السادس والعشرين من نوفمبر الصيغة التنفيذية، ليصبح نهائيًا وواجب النفاذ، حائزًا حجية الأمر المقضي به.

هذا الحكم لم يكن مجرد مسألة إجرائية، بل مثّل تأكيدًا قضائيًا صريحًا على مبدأ أصيل في القانون الدولي: مبدأ التكامل الذي تنص عليه مواد نظام روما الأساسي، والذي يعطي الأولوية للقضاء الوطني مادام قادرًا وراغبًا في مباشرة العدالة. ولعلّ أبرز مثال يؤكد ذلك هو قضية عبد الله السنوسي، التي انتهت فيها المحكمة الجنائية الدولية إلى عدم وجود مبرر للاختصاص، بعدما ثبت لها وجود محاكمة وطنية علنية وقضاء قادر على الاضطلاع بمهامه.

أمر ولائي عاجل بوقف تنفيذ قرار قبول اختصاص الجنائية الدولية

ولم يقف الأمر عند حدود الحكم الأخير، فقد سبق لمحكمة جنوب بنغازي الابتدائية أن أصدرت في الثامن والعشرين من يوليو أمرًا ولائيًا عاجلًا بوقف تنفيذ إعلان الحكومة منتهية الولاية بشأن قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وهو الأمر الذي جرى إبلاغه رسميًا للمدعي العام للمحكمة عبر وزارة الخارجية، مرفقًا بمذكرات قانونية مفصلة من رئيس الحكومة ووزارة العدل تبيّن عدم مشروعية هذا التنازل وما يمثله من اعتداء صريح على السيادة الوطنية.

الحكومة الليبية ترفض إحاطة الجنائية الدولية وتعدّها مساسًا بالسيادة

وفي المقابل، أبدت الحكومة الليبية استغرابًا شديدًا مما ورد في إحاطة نائب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن بتاريخ الخامس والعشرين من نوفمبر، والتي بدا فيها إصرار واضح على مد ولاية المحكمة على قضايا يختص بها القضاء الليبي وحده. وقد اعتبر بيان الحكومة هذا الموقف تجاوزًا خطيرًا وغير مبرر لمبدأ التكامل، بل وتدخّلًا سافرًا في الشأن الداخلي الليبي يضر باستقرار البلاد ويعمّق الأزمة بدل المساهمة في حلّها.

أي تنازل عن الاختصاص القضائي يُعد تجاوزًا خطيرًا يمسّ الدولة وسيادتها

وأكدت الحكومة أن السلطة التنفيذية منتهية الولاية – حتى مع غض النظر عن شرعيتها – لا تملك قانونًا أي صلاحية تخولها التنازل عن اختصاص القضاء الوطني أو نقله لجهة دولية، وأن الإقدام على ذلك يعد تعديًا جسيمًا على اختصاصات النائب العام، ومخالفةً صارخة للقوانين النافذة، بل ويرقى إلى جريمة الخيانة العظمى لما ينطوي عليه من تفريط في السيادة القضائية للدولة الليبية.

إن هذا السجال القانوني والسياسي يعيد إلى الواجهة حقيقة جوهرية: لا وجود لدولة فعلية دون ولاية قضائية وطنية مستقلّة. فمهما واجه القضاء الليبي من تحديات وإشكاليات، ومهما اختلفت الآراء حول أدائه، يظل الحفاظ على استقلاله وحمايته واجبًا وطنيًا لا يخضع للمساومة، ولا يجوز التلاعب به تحت أي ذريعة.

لقد جاء حكم محكمة استئناف بنغازي ليعيد التأكيد على أن ليبيا قادرة على إدارة العدالة الجنائية بنفسها، كما أعاد وضع حد لمحاولات خارجية تسعى للتدخل في شؤونها. وهو ما لقي دعمًا وإشارات واضحة من عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، التي شددت على ضرورة احترام سيادة ليبيا القضائية ووقف أي محاولات لفرض وصاية قانونية عليها.

وتختم الحكومة موقفها بدعوة الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات عاجلة لوقف التعسف في استعمال آليات المحكمة الجنائية الدولية، ولحماية القضاء الوطني من أي تقويض محتمل، مؤكدة أن صون الولاية القضائية الليبية هو أساس صون السيادة الوطنية، وركيزة لا يمكن التفريط فيها تحت أي ظرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى